سبب التسمية:
رجب في اللغة مأخوذ من رجب الرجل رجباً: أي هابه وعظمه، وقد سمى العرب رجباً بهذا الاسم لتعظيمهم إياه في الجاهلية عن القتال فيه، فلا يستحلون القتال فيه، ويسمى رجب مضر، لأن قبيلة مضر كانوا أشد تعظيماً له من غيرهم، فكأنهم اختصوا به.
الأحاديث الصحيحة الواردة في فضله:
1- عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى لله عليه وسلم - قال: ((إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة إثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان))1.
2- وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال: ((ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))2.
الأحاديث الضعيفة الواردة في فضله:
3- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل رجب قال: ((اللهم بارك لنا في رجب، وشعبان، وبارك لنا في رمضان))3.
4- وعن الحسن أن رسول الله - صلى لله عليه وسلم - قال: ((رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي))4.
5- وورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار))5.
حكم العتيرة في رجب:
العتيرة: هي التي يسميها البعض الرجبية، وهي عبارة عن ذبيحة تذبح في شهر رجب، يتقرب بها أهل الجاهلية، واختلف في تحديدها بأي يوم فقال الخطابي: "العتيرة تفسيرها في الحديث أنها شاة تذبح في رجب، وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث، ويليق بحكم الدين، وأما العتيرة التي يعتبرها أهل الجاهلية فهي الذبيحة تذبح للصنم، فيصب دمها على رأسه"6، ويشير الخطابي في ذلك إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول عنها الناس الرجبية))7.
وقد اختلف العلماء في حكمها، والصحيح أنها باطلة ومنسوخة بحديث النهي عنها، وهو ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا فرع ولا عتيرة)) والفرع: هو أول النـتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة: في رجب، وممن نقل النسخ الإمام النووي حيث قال:"وادعى القاضي عياض أن الأمر بالفرع والعتيرة منسوخ عند جماهير العلماء"8، أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال: "وأما العتيرة فإنها الرجبية، وهي ذبيحة كانت تذبح في رجب، يتقرب بها أهل الجاهلية، ثم جاء الإسلام فكان على ذلك حتى نسخ بعد"9، وابن المنذر حيث قال: "خبر عائشة وخبر نبيشة - يعني في الأمر بالعتيرة - ثابتان، وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية، وفعلها بعض أهل الإسلام بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نهى عنهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا فرع، ولا عتيرة)) فانتهى الناس عنهما لنهيه إياهم عنها"10.
وعلى هذا فالعتيرة منسوخة بالحديث الصحيح الذي نهى عنها، وهو ثابت في الصحيحين، وسبب النسخ أنها من فعل أهل الجاهلية، ولأن الذبح عبادة، والعبادة توقيفية، وما دام أن النسخ قد ثبت فقد وجب الترك، وعلى القول بعدم مشروعية العتيرة في رجب فلا يعنى ذلك عدم جواز الذبح في رجب، بل الذبح في رجب جائز حاله كحال غيره من الشهور دون تخصيصها برجب تعظيماً له.
لا يشرع تخصيص رجب بالصيام:
ذكر العلماء - رحمهم الله - أنه لم يرد في تخصيص رجب بالصوم شيء من الأحاديث، ودونك بعض أقوالهم:
1-قال: ابن تيمية - رحمه الله -: "أما تخصيص رجب وشعبان جميعاً بالصوم أو الاعتكاف فلم يرد فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم - شيء، ولا عن أصحابه، ولا أئمة المسلمين، بل ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم إلى شعبان، ولم يكن يصوم من السنة أكثر مما يصوم من شعبان من أجل شهر رمضان، وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعه، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل"11.
2-وقال ابن رجب - رحمه الله -: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه؛ حديث صحيح يصلح للحجة"12، وقال: "وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه"13.
3-وقال ابن القيم: "ولم يصم - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة الأشهر سرداً كما يفعله بعض الناس، ولا صام رجباً قط، ولا استحب صيامه، بل روي عنه النهي عن صيامه، ذكره ابن ماجه"14 يشير إلى حديث ابن عباس - رضي الله عنه - في سنن ابن ماجه - رحمه الله -: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم رجب"، لكنه حديث ضعيف ضعفه ابن الجوزي والبخاري وغيرهما، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه برقم (133).
العمرة في رجب:
إن تخصيص شهر رجب بالعمرة ليس له أصل لأمور منها:
1- ليس هناك دليل شرعي صحيح صريح يدل على تخصيص هذا الشهر بالعمرة فيه قال العطار: "ومما بلغني عن أهل مكة زادها الله شرفاً اعتياد كثير منهم الاعتمار في رجب، وهذا مما لا أعلم له أصلاً، بل ثبت في حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة))"15، وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتاويه16: "ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه".
2- قد أنكرت عائشة - رضي الله عنها - على ابن عمر قوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في رجب فقالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن - تعني ابن عمر - ما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط".
3- ما ورد عن بعض السلف في اعتمارهم في رجب لا يدل على تخصيص رجب بالعمرة، بل القصد منه الإتيان بالحج في سفرة، والعمرة في سفرة أخرى رغبة في إتمام الحج والعمرة المأمور به كما قال ابن رجب: "واستحب الاعتمار في رجب عمر بن الخطاب وغيره، وكانت عائشة تفعله، وابن عمر أيضاً، ونقل ابن سيرين عن السلف أنهم كانوا يفعلونه"، ثم بين العلة في ذلك فقال: "فإن أفضل الأنساك أن يؤتى بالحج في سفرة، والعمرة في سفرة أخرى في غير أشهر الحج، وذلك من جملة إتمام الحج والعمرة المأمور به"17.
4- لا يعني ما سبق عدم جواز العمرة في رجب فإن رجب كغيره من الشهور تجوز العمرة فيه، إنما المقصود عدم جواز تخصيص هذا الشهر بفضل العمرة فيه على غيره من الشهور لعدم الدليل المخصص.
صلاة الرغائب:
صلاة الرغائب من البدع المحدثة في شهر رجب، وتكون في ليلة أول جمعة من رجب، تفعل بين المغرب والعشاء، ويسبقها صيام الخميس الذي هو أول خميس في رجب، وهي ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء، ولها صفات غريبة من تكرار سورة القدر، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعين مرة، وغيرها من الصفات الغريبة.
والأصل في هذه الصلاة حديث موضوع مكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفعل هذه الصلاة بدعة منكرة، ذكر ذلك جمع من العلماء: منهم ابن الجوزي في الموضوعات18، وابن عراق الكناني في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة19، وابن تيمية حيث يقول: "وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها، بل هي محدثة، فلا تستحب لا جماعة ولا فرادى، بل ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام، أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيه كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السف والأئمة أصلا"20، وقال ابن القيم - رحمه الله -: "وكذلك أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب كلها كذب مختلق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"21.
وقال النووي في فتاويه (ص62) عندما سئل عن صلاة الرغائب: "هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها، والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها... وقد صنف العلماء كتباً في إنكارها وذمها، ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكورة في قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ونحوهما فإنها بدعة باطلة، وقد صح أن النبي - صلى الله عيه وسلم - قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) وفي صحيح مسلم وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل بدعة ضلالة))، وقد أمر الله - تعالى - عند التنازع بالرجوع إلى كتابه فقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}22، وقال الشوكاني: "وهذه هي صلاة الرغائب المشهورة، وقد اتفق الحفاظ على أنها موضوعة، وألفوا فيها مؤلفات"23.
الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج:
من الأمور المبتدعة التي نسبها البعض إلى الشرع ما يسمى بالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، فيحتفلون بها كل سنة، وذلك في ليلة السابع والعشرين من رجب، فيجتمعون في المساجد، ويجتمعون للذكر والدعاء والقراءة، ويصحب ذلك في كثير من البلدان إيقاد الشموع والمصابيح، وتلاوة قصة المعراج المنسوبة إلى ابن عباس - رضي الله عنه - وأكثرها لا يصح، وغيرها من الأمور البدعية، وقد يحصل فيها اختلاط الرجال بالنساء، وإنشاد الشعر، إلى غير ذلك من الأمور المخالفة للشرع.
وهذا الاحتفال بهذا الليلة لا يجوز؛ لأنه لم يثبت في التاريخ تحديد هذه الليلة في أي شهر، وأي يوم، ولذلك اختلف العلماء في تحديدها فمنهم من قال: إنها قبل الهجرة بسنة، في ليلة السابع والعشرين من شهر ربيع الأول، ومنهم من قال: إنها قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً، وكان ذلك في السابع عشر من رمضان، ومنهم من قال: إنها قبل الهجرة بسنة وشهرين، فتكون في المحرم، ومنهم من قال أنها قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر فتكون في شوال أو رمضان، وقيل غير ذلك.24
قال ابن تيمية - رحمه الله -: "ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لا سيما على ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور، ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت، وإن كان الإسراء من أعظم فضائله - صلى الله عليه وسلم -، ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان، ولا ذلك المكان بعبادة شرعية"25، وقال: "وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار؛ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها"26، وقال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -لم يحتفلوا بها، ولو كان الاحتفال بها أمراً مشروعاً لبينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأمة إما بالقول أو الفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة - رضي الله عنهم - إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه..."27.
فهذه أهم الأحكام المتعلقة بشهر رجب، أحببنا ذكرها، والتنبيه عليها، وبيان صحيحها من سقيمها، وذكر أقوال أئمة الدين ومصابيح الهدى في أحكامها حتى يتبين الرشد من الغي، والحق من الباطل، والهدى من الضلال، سائلين من الله التوفيق والسداد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين